استضاف معهد الصحافة بأكادير مساء يوم السبت 30 أكتوبر 2011 الشاعر والإعلامي ياسين عدنان. وقد افتتح هذا اللقاء التواصلي بكلمة مدير المعهد الأستاذ أحمد الطالبي الذي أكد على أهمية اللقاءات التواصلية ودورها في التكوين وتطوير طرائق الاشتغال وتبادل الخبرات والتجارب، مبرزاً نوعية الضيف القادم من مدينة مراكش كمكان له رمزيته وحضوره الثقافي والإعلامي، ومرحبا في الوقت نفسه بالشاعر المتميز سعد سرحان. والشاعر والإعلامي ياسين عدنان -يضيف مدير المعهد أحمد الطالبي- يعد اليوم أحد أهم الإطارات الصحافية الشابة التي تمثل قدوة بالنسبة للطلبة في مجال الإعلام والاتصال، لذلك فهذه الاستضافة هي فرصة للاقتراب من تجربته الإعلامية خاصة منها المرئية من خلال برنامجه الثقافي مشارف.
وبعد فسحة الأسئلة التي قدمها طلبة المعهد والتي ارتبطت بمسار ياسين عدنان المهني، وبمنجزه في الصحافة المكتوبة مند تجربته في مجلة زوايا، ودبي الثقافية وصحف مثل الحياة والأخبار وغيرها، مع تركيز شديد على ما عرفه برنامج مشارف من منعطفات أدت إلى توقفه لفترة، وما ارتبط بها من مساندة للبرنامج على نطاق واسع بالمغرب وخارجه.
كلمة الشاعر والإعلامي ياسين عدنان ارتبطت بشكل أساس بتجربة مجلة زوايا ببيروت، وضريبة نجاحها التي أدت إلى تحمل طاقمها مسؤوليات جديدة أبعدتهم عن هذا المشروع الذي حقق صيتا كبيرا رغم محدودية الطاقم الذي كان يتكفل بالتحرير والإعداد رغم مجموعة من الإكراهات. وفيما يرتبط ببرنامج مشارف وما عرفه من منعطفات، فإن الأمر-يضيف صاحب ديوان "مانيكان"- يرتبط بصراع الثقافة مع الثقافة في هذا البلد. فبرنامج مشارف هو برنامج ثقافي صغير محدود في الزمان والمكان لكنه يحمل تصوراً جديدا لمفهوم الثقافة ودورها الأساس في المجتمع، وهو برنامج يتشبث بالعمق الثقافي للموضوعات والمقاربات الثقافية لعدد من المشاريع، وهو حريص على تقديم رؤى متعددة تتسم بالجرأة والتحليل الفكري الرصين، وإذا كان البرنامج يعتقد أن الثقافة مكون أساسي في المجتمع وأن دورها في التحديث والتنمية لا يقل أهمية عن الأدوار الأخرى، فإن الإدارة تعتقد أن الثقافة شيء محدود. والثقافة حسب صاحب برنامج مشارف ليست محصورة في الأدب. لأن الأمر يرتبط بمنتجي الأدب والأفكار، وبمختلف الوسائط. ومن هنا يطمح البرنامج إلى اقتراح أفكار ومشاريع، وليس تقديم ضيوف بشكل جاف. هذه الرؤية الجديدة ربما لم تصادف قبولاً لدى البعض. واعتبر ياسين عدنان أنه يحبذ اسم صحافي ثقافي، لأن هذا هو مجال تخصصه الذي ولجه انطلاقا من انشغالاته الفكرية والثقافية، وانطلاقا من الدورات التكوينية المتعددة التي خاضها خاصة بأوربا، والتي مكنته من التعرف على طرائق الاشتغال الجديدة، ومستقبل الإعلام الثقافي في عالم يتطور بشكل مذهل على مستوى الوسائط، وعلى مستوى المعلومة بشكل عام. وبرنامج مشارف لا يكتفي بتقديم المعلومة الثقافية للمشاهد المغربي بقدر ما يتوخى الاقتراب من مجموع المشاريع الثقافية والرؤى التي تتسم بالمغايرة والجدة وتقديم مقاربات تحليلية تهدف إلى تحقيق التواصل المثمر، لأن فلسفة التواصل هي الشرط الأساس للإنسان المعاصر. ويمكن في هذا الصدد العودة إلى ما يعرفه الفكر الأوربي من حراك يؤكد أهمية هذا المطلب بوصفه الضامن الأهم للحفاظ على إنسانية الإنسان.
إن ما يعرفه العالم بشكل عام، والعالم العربي بشكل خاص يستدعي منه كمشتغل بمجال الإعلام الثقافي معرفة المقاربة الثقافية لهذا الحراك، ولعل هذا هو ما جعله ينفتح على السوسيولوجي إدريس بنسعيد. وقد تمكنت هذه الحلقة من إبراز دور علم الاجتماع في مواكبة التغيرات العميقة والتحولات الطارئة على المجتمعات كدينامية 20 فبراير وما أفرزته من واقع جديد. وقد نتج عن هذه المقاربة احتجاب البرنامج لفترة من الزمن، لأن الإدارة لديها تصور مفاده أن النقاش السياسي له مجال للتصريف بعيدا عن الثقافة. من خلال برامج ترتبط به بشكل مباشر. لكن مقدم البرنامج يصر على أن المثقف لديه مقاربة مختلفة للسياسي في التعاطي مع هذه التحولات، وبالتالي يجب إتاحة الفرصة للمثقف لعرض مقاربته الثقافية للتحولات، ولما يعرفه المغرب من سجال خاصة ما ارتبط بالدستور الجديد. لقد أتاحت الإدارة بشكل غير مسبوق الفرصة لجميع الأطراف للحديث وإبداء الرأي مع مشروع الدستور، لكننا -يضيف صاحب ديوان "رصيف القيامة"- لم نسمع عن المقاربة الثقافية للدستور، وبالتالي ضيعنا فرصة كبيرة للنقاش الثقافي حول القضايا التي حملها الدستور الجديد خاصة ما تربط منها بمكونات الهوية المغربية (العربية، الأمازيغية، الحسانية، الأندلسية...).
إن إستراتيجية مشارف لا ترتبط فقط بتشييد معرفة بضيوف البرنامج، وهو أمر يتم بجهد مضاعف، ولكنها ترتبط بشكل كبير بتقديم جوهر الكتاب والتجربة مع الحرص على الانفتاح على كافة الأطياف والأجناس الإبداعية سواء منها المكتوبة أو الشفهية. والبرنامج وهو يتسلح بهذه الإستراتيجية لا يتوانى في استخدام مكونات العمل الثقافي الورقية والإلكترونية والتفاعلية من أجل تحقيق تصالح بين المشاهد المغربي والعربي وبين المنتوج الثقافي المقدم له على القناة المغربية الأولى. لأن الإعلام لم يصبح اليوم نخبويا كما كان في السابق، مما يتطلب دمقرطته وتجديد آليات تواصله، وطرائق الاشتغال به وهو مشروع انخرط فيه برنامج مشارف رغم محدودية دفتر تحملاته، ومحدود مساحته الزمنية.
وقد أعقب هذا اللقاء فسحة جمالية تمثلت في إنجاز الفنان الطنجاوي يونس بنعمر الذي رسم لوحة في سبعة دقائق بالاعتماد على تقنيات جديدة تتمثل في قلب اللوحة ليتضح في الأخير وأمام جمهور من الأساتذة المكونين وطلبة المعهد وعدد من الفعاليات الثقافية بمدينة أكادير، وبحضور الشاعر المتميز سعد سرحان، يتبين أنها بورتريه للشاعر والإعلامي ياسين عدنان.